فصل: من فوائد الثعالبي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجواب عن ذلك: والله أعلم أن آية النحل تقدمها قوله تعالى: {ويوم نبعث في كل شهيدا عليهم من أنفسهم} فتقدم اسم الشهيد على المشهود عليه فورد ما نسق على ذلك من الإخبار بشهادته عليه السلام على أمته مرتبا على ما تقدمه من مقتضى النظم في التناظر والتناسب فقيل: {وجئنا بك شهيدا على هؤلاء} متوازنا مع قوله شهيدا عليهم وذلك على ما يجب والله أعلم.
أما آية النساء فلم يرد فيها إفصاح بذكر المشهود عليهم ولا كناية عنهم بضمير ولا اسم إشارة بل في آية النساء داع إلى تقدم المجرور بعلى وهو أنه لما تقدم قوله تعالى: {والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} وذلك من صفة المنافقين ناسب هذا تقديم المجرور في قوله: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدا} حتى كأنه بحسب المفهوم لم يقصد به غيرهم ولا شهد على من سواهم وقد تقدم نحو هذا ومنه:
لتقربن قربا جلذيا ** ما دام فيهن فصيل حيا

وقال تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} وليس في آية النحل ما يقتضى ذلك بل مقتضاها إطلاق شهادته عليه السلام للجميع من صالح وطالح إذ لم يتقدم قبلها التقييد بل ظاهر مما تقدمها أن المراد جميع من بعث صلى الله عليه وسلم إليه فهذان حاملان من الآيتين على وجوب ورود النظم على ما ورد.
وأيضا فإن قوله تعالى: {شهيدا} في آية النحل لم يقع في الفواصل بل أثنائها وتأمل ذلك من لدن قوله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا} إلى قوله: {لعلكم تشكرون} ثم قال: {ألم يروا إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله} إلى قوله: {لقوم يؤمنون} واستمرار الآيات على ذلك إلى آخر السورة ولم يتخلل فيما اكتنف الآية قبلها وبعدها فيما قرب منها غير ذلك فقد تقررت فواصل هذه الآى من سورة النحل.
أما آية النساء فبناء نظمها على فواصل روعى فيها مجئ المنون المنصوب من غير التزام حرف بعينه واستمرت الآى قبلها على ذلك.
وقوله: {جئنا بك على هؤلاء شهيدا} فاصلة استدعى ورودها على ذلك ما تقدمها من الفواصل وما تأخر عنها وانتظم ذلك على أعلى نظام وأجل مناسبة ولم يكن عكس الوارد في الآيتين ليناسب والله أعلم. اهـ.

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (42)}.
إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم الشهيد على أمته، وهو الشفيع لهم، فإنما يشهد بما يُبْقي للشفاعة موضِعَها.
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا}... الآية: يحصلون على ندم ثم لا ينفعهم، ويعضون على أناملهم ثم لا يسكن عنهم جزعهم، فيتقنعون بِخِمار الذُّل، وينقلبون إلى أوطان المحن والضر. اهـ.

.من فوائد ابن الجوزي في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد} قال الزجاج: معنى الآية: فكيف يكون حال هؤلاء يوم القيامة، فحذف الحال، لأن في الكلام دليلًا عليه.
ولفظ {كيف} لفظ الاستفهام، ومعناها: التوبيخ.
والشهيد: نبي الأمة.
وبماذا يشهد فيه أربعة أقوال:
أحدها: بأنه قد بلغ أمّته.
قاله ابن مسعود، وابن جريج، والسدي، ومقاتل.
والثاني: بإيمانهم، قاله أبو العالية.
والثالث: بأعمالهم، قاله مجاهد، وقتادة.
والرابع: يشهد لهم وعليهم، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {وجئنا بك} يعني: نبينا صلى الله عليه وسلم.
وفي هؤلاء ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم جميع أمته، ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه يشهد عليهم.
والثاني: يشهد لهم فتكون على بمعنى: اللام.
والقول الثاني: أنهم الكفار يشهد عليهم بتبليغ الرسالة، قاله مقاتل.
والثالث: اليهود والنصارى، ذكره الماوردي. اهـ.

.من فوائد ابن عاشور في الآية:

قال رحمه الله:
{فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)}.
الفاء يجوز أن تكون فاء فصيحة تدلّ على شرط مقدّر نشأ عن الوعيد في قوله: {وأعتدنا للكافرين عذابًا مهينًا} [النساء: 37] وقوله: {فساء قربنًا} [النساء: 38]؛ وعن التوبيخ في قوله: {وماذا عليهم} [النساء: 39] وعن الوعد في قوله: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} [النساء: 40] الآية، والتقدير: إذا أيقنت بذلك فكيفَ حال كلّ أولئك إذا جاء الشهداء وظهر موجَب الشهادة على العمل الصالِح وعلى العمل السيّىء، وعلى هذا فليس ضميرُ (بكَ) إضمارًا في مقام الإظهار، ويجوز أن تكون الفاء للتفريع على قوله: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها} [النساء: 40]، أي يتفرّع عن ذلك سؤال عن حال الناس إذا جئنا من كلّ أمة بشهيد؛ فالناسُ بين مستبشر ومتحسّر، وعلى هذا فضمير {بك} واقع موقع الاسم الظاهر لأنّ مقتضَى هذا أن يكون الكلام مسوقًا لجميع الأمّة، فيقتضي أن يقال: وجئنا بالرَّسُول عليهم شهيدًا، فعُدل إلى الخطاب تشريفًا للرسول صلى الله عليه وسلم بعزّ الحُضور والإقبال عليه.
والحالة التي دلّ عليها الاستفهام المستعمل في التعجيب تؤذن بحالة مهولة للمشركين وتنادي على حيرتهم ومحاولتهم التملّص من العقاب بسلوك طريق إنكار أن يكونوا أنذروا ممّا دلّ عليه مجيء شهيد عليهم، ولذلك حذف المبتدأ المستفهم عنه ويقدّر بنحو: كيف أولئك، أو كيف المَشْهَد، ولا يقدّر بكيف حالهم خاصّة، إذ هي أحوال كثيرة ما منها إلاّ يزيده حالُ ضدّه وضوحًا، فالناجي يزداد سرورًا بمشاهدة حال ضدّه، والموبق يزداد تحسّرا بمشاهدة حال ضدّه، والكلّ يقوى يقينه بما حصل له بشهادة الصادقين له أو عليه، ولذلك لمّا ذكر الشهيد لم يذكر معه مُتعلِّقه بعلَى أو اللام: ليعمّ الأمرين.
والاستفهام مستعمل في لازم معناه من التعجيب، وقد تقدّم نظيره عند قوله تعالى: {فكيف إذا جمعناهم} في سورة آل عمران [25].
(وإذا) ظرف للمستقبل مضاف إلى جملة {جئنا} أي زمان إتياننا بشهيد.
ومضمون الجملة معلوم من آيات أخرى تقدّم نزولها مثلُ آية سورة النحل (89) {ويوم نبعث في كل أمة شهيدًا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء} فلذلك صلحت لأن يتعرّف اسم الزَّمان بإضافته إلى تلك الجملة، والظرف معمول لـ (كيف) لما فيها من معنى الفعل وهو معنى التعجيب، كما انتصب بمعنى التلهّف في قول أبي الطمْحان:
وقبْل غدٍ يَا لهفَ قلبي من غَدٍ ** إذا رَاح أصحابي ولستُ برائح

والمجروران في قوله: {من كل أمة} وقوله: {بشهيد} يتعلّقان بـ (جئنا).
وقد تقدّم الكلام مختصرًا على نظيره في قوله تعالى: {فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه} [آل عمران: 25].
وشهيد كلّ أمّة هو رسولها، بقرينة قوله: {وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}.
و{هؤلاء} إشارة إلى الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم لحضورهم في ذهن السامع عند سماعه اسم الإشارة، وأصل الإشارة يكون إلى مشاهد في الوجود أو منزّل منزلتَه، وقد اصطلح القرآن على إطلاق إشارة (هؤلاء) مرادًا بها المشركون، وهذا معنى ألهمنا إليه، استقريْناه فكان مطابقًا.
ويجوز أن تكون الإشارة إلى {الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} [النساء: 37] وهم المشركون والمنافقون، لأنّ تقدّم ذكرهم يجعلهم كالحاضرين فيشار إليهم، لأنّهم لكثرة توبيخهم ومجادلتهم صاروا كالمعيّنين عند المسلمين.
ومن أضعف الاحتمالات أن يكون {هؤلاء} إشارة إلى الشهداء، الدالّ عليهم قوله: {كل أمةٍ بشهيد} وأن ورد في الصحيح حديث يناسبه في شهادة نوح على قومه وأنّهم يكذّبونه فَيشهد محمّد صلى الله عليه وسلم بصِدقه، إذ ليس يلزم أن يكون ذلك المقصودَ من هذه الآية.
وذُكر متعلّق {شهيدا} الثاني مجرورًا بعلى لتهديد الكافرين بأنّ الشهادة تكون عليهم، لأنّهم المقصود من اسم الإشارة.
وفي [صحيح البخاري]: أنّ عبد الله بن مسعود قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «اقرأ عليّ القرآن، قلت: أقْرَأهُ عليك وعليكَ أنْزِل، قال: إني أحِبّ أنْ أسْمَعه من غيري» فقرأت عليه سورة النساء، حتّى إذا بلغتُ {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا}، قال: {أمسِك} فإذا عينَاه تذرفان.
وكما قلت: إنه أوجز في التعبير عن تلك الحال في لفظ كيف فكذلك أقول هنا: لا فِعل أجمع دلالة على مجموع الشعور عند هذه الحالة من بكاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنّه دلالة على شعور مجتمعٍ فيه دلائلُ عظيمة: وهي المسرّة بتشريف الله إيّاه في ذلك المشهد العظيم، وتصديقِ المؤمنين إيّاه في التبليغ، ورؤيةِ الخيرات التي أنجزت لهم بواسطته، والأسففِ على ما لحق بقية أمّته من العذاب على تكذيبه، ومشاهدةِ ندمهم على معصيته، والبكاء ترجمانُ رحمةٍ ومسرّة وأسف وبهجة. اهـ.

.من فوائد الثعالبي في الآية:

قال رحمه الله:
وقوله جلَّت قدرته: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ على هؤلاء شَهِيدًا...} الآيةَ: لما تقدَّم في التي قَبْلَها الإِعلامُ بتَحْقيق الأحكام يوم القيامة، حَسُنَ بعد ذلك التَّنْبِيهُ على الحالَةِ الَّتي يُحْضَرُ ذلك فيها، ويُجَاءُ فيها بالشُّهَدَاءِ على الأُمَمِ، ومعنى الآيةِ: أنَّ اللَّه سبحانه يأتي بالأنبياءِ شُهَدَاءَ عَلَى أُمَمِهِمْ بالتَّصْديق والتَّكْذيب، ومعنى الأُمَّة؛ في هذه الآية: جميعُ مَنْ بُعِثَ إِلَيْه؛ مَنْ آمَنَ منهم، ومَنْ كَفَر، وكذَلِكَ قال المتأوِّلون: إِن الإِشَارةَ بـ {هؤلاء} إِلَى قُرَيْشٍ وغيرِهِم، ورُوِيَ أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ، فَاضَتْ عَيْنَاهُ، وكذلك ذَرِفَتْ عَيْنَاهُ عليه السلام حِينَ قَرَأَهَا ابْنُ مَسْعُودٍ؛ حَسْبَما هو مذكورٌ في الحديثِ الصَّحِيح، وفي صحيح البخاري، عن عُقْبَةَ بنِ عامرٍ، قَالَ: «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى المَيِّتِ بَعد ثمان سنين، كالمُوَدِّع للأحياء والأموات ثم طلع المنبر، فقال: إنِّي بَيْنَ أَيْدِيِكُمْ فَرَطٌ، وأَنا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وإِنَّ مَوْعِدَكُمُ الحَوْضُ وإِنَّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي هذا، وإِنِّي لست أخشى عليكم أن تشركوا، ولكني أخشى عليكُمُ الدنيا أن تنافسوها»، قال: فكانت آخر نظرة نظرتها الى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله تعالى: {لَوْ تسوى} قالت فرقة معناه: تنشق الأرض، فيحصلون فيها، ثم تتسوَّى هي في نفسها عليهم وبهم، وقالت فرقة: معناه لو تستوي هي معهم في أن يكونوا ترابا كالبهائم.
وقوله تعالى: {وَلاَ يَكْتُمُونَ الله حَدِيثًا}: معناه، عند طائفة: أن الكفار، لما يرونه من الهول وشِدَّة المخاوف، يودون لو تسوى بهم الأرض، فلا ينالهم ذلك الخوف، ثم استأنف الكلام، فأخبر أنهم لا يكتمون الله حديثا، لنطق جوارحهم بذلك كله، حين يقول بعضهم {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] فيقول الله سبحانه: «كذبتم» ثم تنطق جوارحهم، فلا تكتم حديثا، وهذا قول ابن عباس.
وقالت طائفة: الكلام كله متصل ووُدُّهم ألا يكتموا الله حديثا إنما هو ندم على كذبهم حين قالوا: {والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] والرسول في هذه الآية الجنس، شرِّف بالذكر، وهو مفرد دلَّ على الجمع. اهـ.